menu
Connexion

“في البحث عن غليتر فرداي


Page 1/1
( Kebir Mustapha Ammi, A la recherche de Glitter Faraday, éd. Project’îles)

رواية جديدة “في البحث عن غليتر فرداي” للكاتب المغربي/ الجزائري (أم مغربية وأب جزائري) المعروف كبير مصطفى عمّي، سلك فيها مسلكاً جديداً في الكتابة، فقد اختار الارتحال لإعادة اكتشاف الحياة، رحلة محفوفة بالمفاجآت، مزج فيها الروائي بين التاريخي والحقيقي والتخييلي في المجتمع الأمريكي، ستقود السارد حتى غليتير فرداي للاستفسار عن مخطوطة ضاعت بين الأيدي وتعني الكثير للسارد، لكن سيتضح أخيراً أن المخطوطة والرحلة لم تكونا إلا سبباً لوضع المجتمع الأمريكي الحديث على طاولة التشريح؛ العنف والعنصرية وعزلة الأفراد وموسيقى الجاز المعبرة عن الآلام الدفينة في صرخاتها العميقة. للتذكير، فقد ولد كبير عمي في 1952 في تازة المغربية، ويعيش في فرنسا منذ مدة تجاوزت الثلاثين سنة، أستاذ اللغة الإنكليزية. ودرس في أمريكا. له العديد من الروايات، كثير منها اعتمد التاريخ كمادة تحتية للكتابة: اقتسام العالم التي صدرت في (1999)، تاغاست (1999)، على خطى القديس أوغسطين (2001)، بنتُ الريح (2002)، الجزائر البيضاء (2003)، استحضار الحلاج (2003)، ورق الزجاج (2004)، عبد القادر (2004)، أبوليوس (2006)، سماء بلا هوادة (2007)، الفضيلة غير الأخلاقية (2009)، مردوخي (2011)، المدعي المدهش (2014) وهو ما جعله يحتل موقعاً روائياً من الجيل الفرانكفوني الذي أعقب كتاب الجيل السابق بانشغالات حقيقية ومؤلمة أحياناً، بعيداً عن الرغبة في إرضاء المركز الذي تكونت لديه مجموعة من الانتظارات. من أكثر الكتاب المغاربيين ارتباطاً بالميراث الثقافي العربي بحكم انتسابه لبلدين مغاربيين: المغرب من أمه، والجزائر من والده الذي اشترك في حرب التحرير وتوفي بعد الاستقلال. فقد ظل حضورهما طاغياً في كتاباته. بالإضافة إلى المغرب والحياة الفرنسية العامة، نجد صورة الجزائر مترسخة في كتاباته من خلال شخصياتها التاريخية أو مواقعها: عمله عن “الأمير عبد القادر الجزائري”، وتاغاست (المدينة الجزائرية الفينيقية القديمة: سوق أهراس اليوم، ومدينة مسقط رأس القديس أوغسطين)، والقديس أوغستين، وأبوليوس المادوري (مادور أو مداوروش بالجزائر)، ومسرحيته “الجزائر البيضاء”.
روايته الأخيرة لم تخل من هذه النظرة، فقد استحضرت الجزائر العاصمة عندما كانت في عزها مدينة ثقافية حية تستقبل كبار الفنانين وكبار الثوريين من كل بلدان العالم، بما في ذلك أمريكا الجنوبية والشمالية وإفريقيا والعالم العربي في الستينيات والسبعينيات، كانت معبد الذين يبحثون عن السكينة والعمل الثوري.
شُيِّدتْ الرواية على شخصية أمريكية (غليتر فرداي) عاشت في الجزائر هرباً من الغطرسة الإمبريالية التي كانت تسحق أي معارضة. البطل كان عضواً في مجموعة الفهود السود Black Panthersالتي أسست في الستينيات والتي قاومها مكتب التحقيقات الفيديرالي FBI باختراقها من الداخل ومطاردة مناضليها، وغليتر الذي لجأ إلى الجزائر كان واحداً منهم.
السارد يريد أن يعرف بعض الأسرار المخبوءة في المخطوطة، فيركض بحثاً عن هذه الشخصية الغامضة التي غابت في ظرف غامض. ومن خلال فصول الرواية الأربعة التي تحمل دلالة واضحة: 1- قارة من الجراحات 2- رجل وحيد 3- امرأة في الصحراء 4- مدينة الجزائر حيث كل شيء يبدأ وكل شيء ينتهي، تتأسس رواية “في البحث عن غليتر فرداي” التي اختارت الارتحال بحثاً عن سر ظل كامناً، حيث يريد السارد أن يكتشف خلفية غليتر فرداي الذي عاش طويلاً في المنفى الجزائري منذ 24 ديسمبر 1975 معارضاً قبل أن يستسلم بعد انهيار “الفهود السّود” ويعود إلى أمريكا. لكن مرحلة الجزائر شكلت جزءاً حياً من ذاكرته حيث وجد مثلاً في المهرجان الإفريقي الذي جرت وقائعه في الجزائر ضالته وتاريخ أجداده من الموسيقيين الزنوج، ولامس عن قرب تاريخه الزنجي المغيب من خلال اقتراب رواد المهرجان من الموسيقيين: مريم ماكيبا التي غنت وقتها “أنا حرة في الجزائر”، ونينا سيمون، ومانو ديبانغو، وأرشي شيبي وغيرهم من الذين أعطوا للمهرجان كل قوته وإنسانيته.
يستعيد كبير عمّي جزائر أخرى، جميلة ومتضامنة مع الحق. كانت الجزائر الأرض الموعودة ضد الهيمنة الأمريكية في صورها الأكثر بشاعة. قطع السارد محطات كثيرة قبل أن يصل إلى السيد غليتر، فاكتشف السارد أمريكا الأخرى المخفية تحت الواجهات الإعلامية البراقة؛ الخوف، والعنف، والعنصرية، والفراغ الكبير في المناطق الخالية أو تكاد تكون خالية من أي حياة. في كل ثانية ننتظر أن يحدث شيء غريب؛ محطات بنزين مهجورة، مدن غريبة، نساء غير عاديات بين الخوف والتساؤل، وجوه كأنها آتية من تاريخ أمريكي ثقيل من حروب الانفصال.
منذ البداية، نعرف أن السارد لا يبحث عن شخصية غليتر حباً فيه، ولكن لكونه يعرف شيئاً عن المخطوطة الضائعة التي سلمت لغليتر قبل أربعين سنة؟ تصبح الرحلة ليس فقط وسيلة للعثور على المخطوطة ولكن عن الذات التي تستفيد من رحلتها وتتغير بها وبالتحولات والصدف التي وضعتها في طريقها، لهذا لم يعد يهم المخطوط بقدر أهمية الرحلة التكوينية ذاتها بكل التجارب التي خاضتها بكل صعوباتها وخوفها التي تضع أمامنا أمريكا غير تلك التي تسوقها وسائل الإعلام. نكتشف معه أمريكا الجاز من خلال مجموعة أسماء معروفة تحتضنها سيارتها، تظهر الإيقاعات التي تسير عليها الرواية نفسها: سارة فوغان، أرشي ستيب، أو شارلي منغوس الذي تستثير مقطوعته قصة الشاب الذي مزف من منورو قبل بدء إحدى المسيرات المعروفة، التي لا تخفي العنصرية النائمة في المجتمع الأمريكي التحتي معتمداً على وقائع وأحداث عنصرية وعنيفة حدثت في أمريكا.
كل ذلك يحضر في الرحلة القاسية التي لم تكن متعة، ولكنها كانت رحلة أمريكا التي لا نراها. حتى إنه يهدي الرواية “إلى جزئيتها غير المرئية وإلى كل ما يوحدنا” بعد رحلة معقدة، يعثر أخيراً على غليتر فارادي، هو وليس هو، قد تغير كثيراً ولم يعد ذلك الرجل الحيوي والجميل، أصبح ظلاً لنفسه، يعيش في أحد شوارع سان فرانسيسكو كما كثير من السود الأمريكيين. عندما يسأله السارد عن المخطوطة التي سحبها معه من الجزائر لا يتذكر شيئاً، ولكنه يتذكر الكثير من لحظات عبوره على الجزائر التي كانت مدينة الأنوار الإفريقية، فيعيد تركيب قصته من خلال ما استعاده ذهنياً من تلك الحقبة. ويسحب معه السارد نحو عالم آخر لم يكن يعرفه، وأصبحت المخطوطة ثانوية ولا قيمة لها أمام ما كان يرويه غليتر فرداي. كل شيء كان ينشأ ويكبر داخل الحكاية على إيقاع موسيقى الجاز التي كانت تؤثث حياته وتساعده على العيش. لا يخفي دهشته من ساكسوفون أرشي شيب Archie Shepp ولا سعادته بمدينة الجزائر، المدينة الحلم، التي ظل متعلقاً بها في ارتقائها العظيم واضمحلالها، مثله تماماً.
رحلة السارد كأنها تبدأ من تلك اللحظة التي ينتهي فيها بحثه عن المخطوطة، مخطوطة الوالد سلام التي كان يريد أن يجعل منها القلب النابض لجزائر حية وجميلة يريد لابنه أن يعرفها. لكن مخطوطة سلام الذي قتلته الشرطة سلمها غليتر لبيللي بوك الذي سلمها بدوره لدوستين وينسلي قبل أن يصل إلى المخرج ويل ماك كورد، ليحول مخطوط سلام إلى فيلم. هذا وحده كان كافياً ليمنح السارد بعض السلام الداخلي الذي كان يفتقده من أجل توازنه.

Commentaires

Connexion